2021/07/11

كتاب " دفنتُ قلبي " بقلم الكاتبة حنين رمضان

 


دفنتُ قلبي 
بقلم/ حنين رمضان





الإهداء

إلى ذلك الرجل الذي أفنى عمره وضحى بصحته ليربيَني في صغري ويعلمَني.
إلى من أحاطني بالحب والحنان،إلى قدوتي وقرة عيني وسبب سعادتي.
إلى من علمني الإيمان والإخلاص والوفاء.
إلى أول من عرفه قلبي، وأول من همس صوته في أذني،إلى من كان دائمًا إلى جانبي وفي كل ظروفي.
يا أول من فتحتُ عينيَّ بين يديه، وأحاطني بأمانه ومحبته.
يا من صرف صحتَه لأجلي وخاف عليَّ.
وكم من مستشفياتٍ زارها ليطمئنَّ على صحتنا وسلامتنا!
وكم سها عن صحته، وربّانا على المحبة وطاعة الله.
كان لا يحرمنا من شيء، وكان نصحُه لأجلنا، وحين كبرنا تعلقنا به أكثر وأكثر، وخفنا عليه مثل خوفه علينا في الصغر.
ندعو الله ألّا يصيبَه أذى؛{ربِّ ارحمهما كما ربَّياني صغيرًا}.
كنا في سعادة حين كان معنا لكن لم نشعر بها، وكنا في حياة يحلم بها كل يتيم لكننا مع الأسف غافلون.

اقتباسات من الكتاب " دفنت قلبي "

  • إلى روح أبي

خُذ عني يا عزيزي/تي: نحن في دنيا فانية، وكل شيء فيها سيزول، وفيها ما لا يُعوَّض.
فلا تبك على شيء سيعوضك الله بأحسن َمنه، فبعض النعم تستحق أن نبكي عليها؛ لأنها لا تُعوَّض، فما أبشع الرحيل!
أنت الآن في أكبر نعمة فلا تبكِ على سواها، استغلَّ وجودَها قبل رحيلها، استمتع بها.
فوالله ستفقدُ بعدَ رحيلها كلَّ لذة، سينكسر بفقدها ظهرُك، وستصبح الحياة لا تطاق؛ لأنّ من كان يبهجها اليوم قد رحل.
ستندم قليلًا، لا بل والله كثيرًا على كل شيء؛ على تقصيرك معهما، وعلى أشياء أردتَ أن تفعلها، وعلى كل كلمة وجملة وددتَ أن تقولها، ولن تنفعَك الدموعُ الآن، ستضيقُ بك الدنيا وتكرهُها بعد فقدانهما أو فقدان أحدهما.
إنهما الوالدان، سيصبح العالم من حولك ناقصًا.
لن تتلذذ بشيء؛ لأن كل معاني سعادة تكون في جوارِهم والجلوسِ والحديث معهم.
بعضنا يقصّر في حق والده؛ فهو لم يعرف قدر النعمة العظيمة، ولم يشكرِ الله عليها.
الوالد أساسٌ في وجود الأسرة، ويجعلها دائمًا في قمة السعادة والطمأنينة والأمان.
لا تهملوهما، وعاملوهما أحسنَ معاملة.
أدُّوا حقَّهما على أكمل وجه.
في وقت من الأوقات قد يغضب منك والدك، أو يقسو عليك، يجب عليك حينَها تحمّلُه، ولا يعني فعلُه ذاك إهانةً لك أو كرهًا؛فقد يظن بعضنا هذا الظن لاسيما إذا كان والدُه هكذا، فتتكوّن في ذهنه صورةُ عدمِ محبة والده له، أو أنه لا يريد بقاءه!نعم، ربما أخطأ في رفع يده عليك، لكن لا يعني هذا أنه لا يريدك،وغالبًا، بل دائمًا يكون ضربُه لمصلحتك، وأنت أيضًا لا تكن سببًا في تعكير مزاجهما بعدم طاعتك أوامرَهما، أو أن تكون سببًا في مرضهما.
ولا تقل لي إن والديَّ يقيّدانني ولا يحبانني! فوالله إن حُبَّ الوالدين لا يقارَن بأي حبٍّ في العالم،ولا أحدَ من البشر مثلُهم، فأنت فِلذَةُ كبِدِهما التي تمشي على الأرض، وحبُّهم إياك فاقَ كلَّ وصف.
لو ندري أنهم يحترقون من أجلنا ومن أجل راحتنا وسعادتنا ما قصرنا في حقهم.
لا أحد يتمنى لك نجاحًا دون حسد ولا غيرة مثلهما، يريدانك أفضل منهما، ألا يستحق أن تعطيَهم كلَّ شيء؟
طاعتهم فرض وواجب علينا؛ فقد فضّلهم الله وقرن طاعته -سبحانه وتعالى-بطاعة الوالدين، عصيانهم وتركهم كبيرة كما في القرآن والسنة.
ففي تفسير قول الله تعالى:{يبلغن عندك الكبر} أي عندك أنت الذي تكون مصاحبهم وفي جوارهم، لأننا نحن أَولى الناس بقربهم في الحياة لاسيما عند الكبر، ويحتاجون إلى العطف منا مثلما عطفوا علينا ونحن في أحضانهم.
فلماذا تتركهما وتهجرهما وهما ما يزالان على قيد الحياة؟
هل تنتظر فراقهما كي تتحسر وتبكي؟
لن ينفعك الدمع حينها! هل تظن أنك ستجد بعد فراقهم حياة؟ لا أظن!

  • يا من في دوحة أبيها

إلى كل فتاة ما تزال في ظل دوحة أبيها: ارحمي هذا الأب الحنون الذي تعب ليرى الفتاةَ الصغيرةَ تكبر أمامه،فأنتِ الجوهرة التي يخاف أن يفقدها،يا ليتِك تعلمين مكانك في قلبه؛فهذا الأب الذي يقسو أحيانًا يحمل لك في قلبه حدائقَ من حب لربما لا يترجمها بأفعاله، لكن اعلمي أنه يحبك ويخاف عليك، ولا يريد إلا مصلحتك وسعادتك، تزهو عينه برؤيتك؛ فأنتِ حجاب له من النار، لم ترَي مدى شوقه إليك مدةَ تسعة أشهر، ولم تَرَي فرحه و بهجته حين أتيتِ، كان يخبر الناس بمولودته الجديدة التي اختار لها أجمل الأسماء، وأنتِ طفلته المدللة التي اختار لها أفضل المدارس، لم تري فرحته حينما استقبلك بعد أول يوم من المدرسة، وكم استمتع بشكواك وسعادتك، وبالحديث معك،والضحك على أخطائك،والتلعثم ف 
ي كلامك، كم فرح حينما أنجزتِ ونجحتِ في كل مرحلة من دراستك، كان يتعب ويشقى لكنه حين يرى فرحك ونجاحك ينسى كل هذا.
يأتي إلى البيت منهَكًا، ولما يراكِ يبتسم و يحضنك وكأنما رُفع جبلٌ عن صدره، يرمي أعباءَ دنياه خلف ظهره لينظرَ إليكم فقط.
لم ترَي دموع فرحته حين يراكِ بلباس التخرج مع انتهاء مسيرتكِ الدراسية، ولم ترَي عجزَه عن التعبير عن سعادته وهو يرى تلك اليد الصغيرة التي كان يلاعبها قد كبرت وتخرّجت، وهو لا يختار لكِ إلا أخير الرجال؛ فأنتِ وردته ولا يرضى إلا بأن يختار لكِ البستان الجميل المناسب لمقامك لأنك قطعة من قلبه.
هكذا هو الأب وعلاقته مع قلب ابنته.
فارحميه أرجوك، ولا تعصي أوامره، فإنكِ إن أغمضتِ عينَيكِ وتخيّلتِ فراقَه الأبديَّ لم تطيقي الحياةَ بعده، وتنازلي عن كثير من الأشياء التي تريدينها، ولا تفعلي شيئًا يسيء إلى تربيته لك؛ فالفتاة التي تعشق والدها لن ترضى له الذل، ولا إسقاطَ رأسه سواءٌ أكان حيًّا أم توفاه الله، ضعي والدك أمام عينيك دائمًا، ولاتجعلي أحدًا يسيء إليه أو يسبه بسببك؛ فهو لم يقصر معك ولا في تربيتك، وقد غرس فيك حب الدين والعفة، تذكري ذلك الشيب الذي غزا رأسه؛ فهو يحكي طريقَ تعب وحُبٍّ في مسيرة حياتك.
هذا الوجع الذي لا نهايةَ له؛أن ينكسر غصنك وضلع من صدرك، فلا فراق يكسر حنايا القلب، ولن يهز ثباتَك غيرُ فراق الأب في هذه الحياة، وستعلم بعدها معنى جملة: جبر الله قلبك.
كنتَ لي كالمظلة التي ألجأ إليها حين يشتد المطر
لم أكن أعرف معنى الانهيار، ولا الكسر، ولا الصراع، ولا الهجوم، ولا السقوط، ولم أكن أعرف حزنًا ولا دموعًا، لم أكن أعرف العزلة ولا الوحدة، ولم أكن أعرف معنى كسر الظهر، لم أكن أعرف معنى الفرح الذي لا يكتمل، والحزن الذي لا ينتهي؛ لأنني كنت تحت حماية جناحيك ياأبي.
أشعر بالوحدة، وإن كان الجميع حولي فلا شيء يعوّض الجلوس إلى جانبك، والاستماع إلى حديثك ونصائحك، فلا أحد يشبهك أو يشبه طيبتك.
تمسك بوالديك جيدًا، واحضنهم في كل لحظة، واستغلَّ كل الفرص لإسعاد قلوبهم ونيل رضاهم، تمنيت أن أستطيع إيصال معنى فقد الأب إلى جميع الأبناء، لكني أعلم أن لا أحدَ سيشعر بهذا الألم أبدًا إلا حينما يعيش هذا الواقع المرير.
إذا سألوني ماذا تعني لي؟
سأجيب وأقول لهم: هو من قُربه راحتي،ومن يعلم سرّي، ويمسح دمعتي، هو من ينبض قلبي باسمه،ومن كان معي في أصعب أوقاتي.
هو من يفرح لفرحي، ويحزن لحزني.
هو من علمني سر الحياة.
هو من يشتاق إليَّ قبل أن أشتاق إليه.
هو من تضج المجالس بسيرته العطرة.
هو حبيبي، وقلبي، وقرة عيني.
هو حبي الأول، والثاني، والأخير.
هو مَن في جوارهِ أنسى همي وتعبي.
هو مَن ابتسامتُه تبعث فيَّ الروح حتى إن رأيتُها في منامي.
هو فِلذَةُ كبِدي، وقطعةُ روحي.
بل نبضي، ودمُ قلبي، وسنَدي، وفخري يا أبي.


لقراءة الكتاب كاملا وتحميله